إلى سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني

في ظل العملية العسكرية الغادرة التي نفذها العدو الإسرائيلي ضد بعض قادة حماس في عاصمة بلدكم الشقيق، أرفع إليكم، وإلى شعبكم الكريم، أصدق مشاعر التضامن والمؤازرة، وذلك بعد أن تجاوز هذا العدوان كل الأعراف، وضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية، واستهدف عاصمة الدولة التي كان يوجد به وفده للتفاوض!
إن هذه العملية لم تكن مجرد اعتداء على قادة فلسطينيين تعود العدو على الاعتداء عليهم في ظل تفرج عربي وإسلامي مشين، بل كانت بالإضافة إلى ذلك رسالة صريحة وفصيحة ووقحة أيضا من إسرائيل إلى كل الدول العربية والإسلامية، مفادها أن لا أحد بعد اليوم بمنأى عن بطشها، مهما كانت علاقاته مع الولايات المتحدة، ومهما بلغ حجم التعاون العسكري أو السياسي معها. فحتى في ظل وجود قاعدة أمريكية على أرض قطر، وفي ظل عرض قطر للمبادرة الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب، على الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي، فكل ذلك لم يكن كافيا لمنع إسرائيل من تنفيذ حماقتها ضد قطر، بل ربما تكون مبادرة ترامب والقاعدة العسكرية الأمريكية سهلت أو ساهمت أو استخدمت - بشكل أو بآخر - كخديعة لتوجيه ذلك الهجوم العسكري الغادر. ويكفي أن ترامب نفسه أكد بلسانه أنه كان على علم بالهجوم، وأنه ربما يكون قد تأخر في إبلاغ قطر به، أليس هذا التبرير أكثر وقاحة من هجوم العدو على عاصمة دولة أرسل لها وفدا للتفاوض؟
لقد أثبتت هذا الهجوم أن التعويل على أمريكا، وخاصة في عهد ترامب، يعدُّ خطأ استراتيجيا كبيرا، وأن أمن الدول العربية والإسلامية - وفي مقدمتها دول الخليج - لا يمكن أن يُبنى على وعود واشنطن، التي لا تتردد في التضحية بأعز أصدقائها من أجل إرضاء الكيان الصهيوني. وإذا كانت قطر، بكل ما قدمته من دعم سياسي واقتصادي للولايات المتحدة، وخاصة في عهد ترامب، لم تحمها أمريكا من بطش إسرائيل، فكيف سيكون حال بقية الدول العربية والإسلامية؟
إننا اليوم كعرب ومسلمين أمام لحظة تاريخية فارقة، وكنا دائما امام لحظات تاريخية فارقة لم ننتبه إليها، ولكن هذه اللحظة بالذات أصبح من الواجب الانتباه إليها، فهي تفرض علينا إعادة النظر - وبشكل حاسم - في تحالفاتنا وصداقاتنا، وفي أسس أمننا القومي.
لقد آن الأوان لتأسيس حلف إسلامي قوي، يشكل قطبا عالميا جديدا في ظل عالم يتجه نحو التعددية القطبية. ونعلم أن سموكم، بما عُرِف عنكم من مبادرات رائدة، قادرون على إطلاق شرارة هذا الحلف الاستراتيجي، خاصة وبعد أن تعرضت بلادكم لهذا العدوان الغادر والسافر من العدو الصهيوني.
من هنا، اسمحوا لي يا صاحب السمو، أن أعيد نشر فقرة من النداء الذي وجهته سابقا إلى قادة الدول العربية والإسلامية، وهي الفقرة المتضمنة لجواب على سؤال مهم يقول: "هل من مخرج من واقع الهوان الذي نتخبط فيه اليوم عربا ومسلمين؟" وكلي أمل أن تحظى هذه الفقرة من النداء باهتمام سموكم، واهتمام بقية قادة الدول العربية و الإسلامية.
نص الفقرة المقتطعة من النداء:
هل من مخرج من واقع الهوان الذي نتخبط فيه اليوم عربا ومسلمين؟
للإجابة على هذا السؤال، لابد وأن نُذَكِّر أولا بأننا في بلاد العرب والمسلمين جرّبنا نظامَ عالم القطبين من قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم جرّبنا بعد ذلك نظام عالم القطب الواحد، وفي كلا الحالتين كنا هم الخاسر الأكبر، ففي نظام القطبين وجَّه سلف بعضكم (المقصود هنا القادة العرب والمسلمين) وجهه شطر الاتحاد السوفيتي، فخذله الاتحاد السوفيتي في ساعة الضيق والعسرة، فعلم أن هذا البلد لا يمكن أن يُعَول عليه في أوقات الشدة، ولكم أن تسألوا مصر والعراق وسوريا وليبيا وإيران في حرب الاثني عشر يوما، ووجَّه سلف أكثرِكم وجهه شطر الولايات المتحدة، فعلم، وفي أكثر من مناسبة، بأن أمريكا لن تترد في أي لحظة بالتضحية بمصالحها مع كل العرب والمسلمين، قادة وشعوبا، في سبيل إرضاء دويلة الكيان الصهيوني، وفرض استمرار سيطرتها، وبقائها هي سيد المنطقة تبطش فيها متى شاءت وكيفما شاءت. ولقد تجلت هذه الحقيقة أكثر مع عودة دونالد ترامب إلى الحكم في مأمورية ثانية.
إن فقدان الثقة لدى الشعوب العربية والإسلامية لا يتوقف عند القادة، بل إنه يمتد ليشمل كل المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية والدولية القائمة، فلا أمل يرجى من الجامعة العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، فهذه منظمات أصبحت في عداد الأموات، ولا أمل يرجى كذلك من الأمم المتحدة وكل الهيئات التابعة لها، فهذه المنظمة الدولية فضحتها حرب الإبادة في غزة، فكشفت عن شللها البين وعجزها الفاضح.
وبالعودة إلى النظام العالمي، والذي لابد أن يتشكل من جديد بعد انتهاء صلاحية وفعالية الهيئات الدولية التي قام عليها في الماضي، فالراجح أن هذا العالم لن يكون عالم قطب واحد، ولا عالم قطبين، وإنما سيكون عالما متعدد الأقطاب، وهو ما يلزمنا عربا ومسلمين أن نعمل على تأسيس قطب أو حلف إسلامي خاص بنا، يدافع عن مصالحنا ويحميها.
ومن المؤكد أن الدول العربية والإسلامية تمتلك كل المقومات لتُشَكل قطبا عالميا قويا قادرا على الدفاع عن مصالح العرب والمسلمين في العالم، فمن الناحية العسكرية، هناك باكستان التي تمتلك سلاحا نوويا، وهناك إيران التي أثبتت مؤخرا أنها قادرة على مواجهة الكيان المغتصب بمفردها، وهناك دول أخرى لها قوتها العسكرية المعتبرة، ومن الناحية الاقتصادية فهناك العديد من الدول العربية والإسلامية التي تمتلك اقتصادا قويا، وموارد مالية هائلة.
نعم لقد بات من الملح جدا التفكير في تأسيس حلف إسلامي قوي تنخرط فيه الدول الإسلامية، ويمكن أن تتشكل نواته الأولى من السعودية وباكستان وإيران وتركيا ومصر، (بالإضافة إلى قطر بعد العدوان الإسرائيلي) لتشمل بعد ذلك بقية الدول الإسلامية، فبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحرر فلسطين، وبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحل مشاكلنا دون الحاجة للاستجداء بالآخرين، وبحلف كهذا سنحمي قيمنا الإسلامية من علمنة القيم التي يقف خلفها الغرب المسيحي، ولتشكيل نواة هذا الحلف فلا بد للدول المؤسسة لتلك النواة من أن تتخذ بعض الخطوات والإجراءات التمهيدية المطمئنة:
1 ـ أن تعتذر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية، وأن تلتزم التزاما صريحا وقويا بالتخلي نهائيا عن أي وصاية على الشيعة خارج حدودها، وأن لا تعمل مستقبلا ـ تحت أي ظرف ـ على تحريك الشيعة في بعض البلدان العربية والإسلامية لتحقيق المزيد من المصالح والنفوذ خارج حدودها على حساب دول عربية إسلامية أخرى؛
2 ـ أن تُوقِف المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج منح الأموال الضخمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فليس من الحكمة وضع كل البيض في سلة واحدة، وخاصة إذا كان صاحب تلك السلة هو الرئيس ترامب المعروف بتقلب مزاجه، على أن توجه تلك الأموال للتعزيز من مكانة الحلف الإسلامي المنتظر، أو توجه لدعم بعض الدول الإسلامية المحتاجة؛
3 ـ أن تقطع مصر وتركيا (وقطر)ـ وبشكل فوري ـ علاقاتها الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، وتفتح مصر حدودها لكسر الحصار.
هذا مجرد مقترح أقدمه للقادة العرب والمسلمين، وأعلم مسبقا أن الغالبية من الشعوب العربية والإسلامية تعتبر كتابة مثل هذا المقترح مجرد تضييع للوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه، فهذه الشعوب لم تعد تتوقع من قادتها أي عمل جدي لصالح فلسطين أو لصالح بلاد العرب والمسلمين.
نعم لقد وصل اليأس إلى هذا المستوى بل أكثر، ومع ذلك أرجو أن يجد هذا المقترح آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وعقولا راجحة، تؤمن بضرورة العمل به.
مع كل التقدير والاحترام لكل القادة العرب والمسلمين.
حفظ الله الأمة العربية و الإسلامية...
كتبه محمد الأمين الفاضل (مواطن من موريتانيا