نائب أكجوجت يكتب : اتفاقية MCM حلم مؤجل ام لعنة موارد متجددة

تزخر موريتانيا بثروات معدنية هائلة، لكنها لم تستغل بالشكل الأمثل، مما أضاع على البلاد فرصا تنموية واقتصادية كبيرة. بسبب جملة من التحديات من أبرزها: الفساد، و غياب الشفافية في العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية،وعدم الإفصاح عن حجم الانتاج الحقيقي والبيروقراطية الإدارية التي تنخر الادارة وتضيع آلاف الفرص الاستثمارية الجادة على البلد، فلم نستطع استقطاب سوى شركات عرفت بالفساد استحوذت على خيرات هذا الشعب المسكين بفعل عقود أبرمت مع أنظمة فاسدة تنازلت عن كل شيء لشركات أجنية راكمت الأرباح دون ان تكون لها اي انعكاس على الاقتصاد الوطني ولا الأثر المحلي فهي المؤتمنة في الإفصاح عن حجم الانتاج والأرباح وعلى الرقابة البيئيه وتسيير المياه العذبة .
وها نحن اليوم أمام انتهاء أول رخصة استغلال لمستثمر اجنبي هو شركة MCM التي تستغل منجم أمكرين في اكجوجت منذ عشرين سنة، حيث تنتج النحاس، والذهب، والحديد. وهي اتفاقية مجحفة بحق البلد باتفاق الجميع ويتابع المستثمرون باهتمام بالغ كيف ستتعامل السلطات الموريتانية مع تجديد الاتفاقية مع MCM ، وهل ستستعيد الدولة حضورها في تجديد هذه العقود بحيث تعزز استفادة البلد من ثروته خاصة بعد استرداد المستثمر لتكاليف استثماراته وانخفاض تكاليف التشغيل في المرحلة المقبلة، وهل القانون 012-2012 الذي ينظم الاتفاقيات المعدنية ويصدق على الاتفاقية المعدنية النموذجية والذي يقال ان التجديد الجديد لاتفاقية MCM سيخضع لمقتضياته، مع انه لم يبوّب أصلا على تجديد الاتفاقيات مما استدعى التعديل الأخير عليه وبالتالي لا فرق فيه بين رخصة استغلال جديد و تجديد رخصة قائمة، وبالتالي تغيب فيه مزايا تفضيلية جديدة للدولة في هذه المرحلة، إضافة إلى ان هذا الاتفاق النموذجي لا يفرق بين المعادن الاستراتجية (النحاس ، اليورانيوم ،التربة النادرة ،الكوارتز ،الذهب ….) عن غيرها من المعادن والمقالع، فهل سيستطيع المفاوض الوطني رغم ضعف ما تتيحه له منظومتنا القانونية من مجال للتحرك ان يعظم المردودية الاقتصادية الوطنية في هذه الاتفاقية ويصحح الاختلالات الملاحظة خلال العشرين سنة الماضية؟ والى متى ستظل البيرقراطية الإدارية تكبل ادارتنا وتعيق عملية تحيين منظومتنا التشريعية (مدونة المعادن والقوانين المرتبطة بها ومدونة البيئة وفق احتياجاتنا نحن من معادننا وليس من اجل توقيع اتفاقية مع فلان او علان ؟
رغم تعهد مختلف الحكومات في برامجها المقدم بالعمل على تحديث هذه المدونات
فالتعديل الأخير المقدم على القانون 012- 2012 لم يأت بجديد سوى إضافة فقرة إلى المادة 4 من القانون تسمح بتجديد الاتفاقيات لمدة 10 سنوات، إضافية إضافة إلى تعطيل أحكام المادة 5 من نفس القانون المتعلقة بفرض مشاركة الدولة بنسبة 10% من راس مال الشركة بالنسبة للشركات المرتبطة باتفاقية قبل دخول القانون حيز التنفيذ
فيما أضافت المادة 38 إتاوة جديدة تتعلق بالتكوين لصالح الجهاز الإداري والتقني لوزارة المعادن بنسبة 1% من صافي الأرباح.
تماما كما تم مع تازيازت خلال مراجعتها الأخيرة والتي شملت فرض مساهمة سنوية بقيمة 500 مليون اوقية لنفس الغرض
فيما غابت قطاعات عن طاولة المفاوضات كالبيئة والمحتوى المحلي والتنمية المحلية وانحصر ذكرها في فقرات انشائية في المادة 64 رغم مخاطرها والفرص الضائعة فيها.
1- ففي المجال البيئي:
فهذه الرخصة من المحتمل ان تكون اول منجم سيتم اغلاقه مما يستوجب اخذ كل التدابير لمعالجة وتسيير المخاطر البيئية الجمه التي سيخلفها هذا المستثمر وراءه خاصة إذا عندما تكون هذه الشركات هي المسؤولة عن ادارة الملف البيئي بالكامل حيث تقوم بتقديم تقرير سنوي عن وضعية التلوث البيئ (الهواء والمياه والتربة……. ) للقطاع الوصي؛ ومن غير المنطقي ان يقدم مستثمر تقارير تدين ممارساته اتجاه البيئة، فخلال عشرين سنة من وجود هذه الاستثمارات ضاعت علينا الثروة دون ان تنعكس ثمارها علينا محليا أو وطنيا ولم نستطع تعزيز قدرات قطاعنا البيئي الغائب داخل مواقع هذه الشركات ليكون لديه جهاز فني قادر على مراقبة وتقييم الأضرار البيئية لهذه الشركات والحد من مخاطرها خاصة أن هذه الشركات تستخدم مواد بالغة الخطور وتحتضن أحواضا مفتوحة من نفايات السيانيد والتي ستبقى تأثيراتها لعقود بعد رحيل هذه الشركات، وبالتالي يجب ان تتحمل هذه الشركات مسؤولية الأعطاب التي أحدثتها بالبيئة بدل أن نحمل وزر ضررها الى أجيال من المواطنين لم يكونوا سبابا فيها .
ونظرا لضعف الإطار التشريعي القائم وقت توقيع الاتفاقية مع MCM والتي استحوذت على اتفاقية شركة GEMEK وادي الروضة بموجب المرسوم رقم 104-2004 الصادر بتاريخ 30/12/2004 في ظل فراغ قانوني في مجال إلزامية دراسة الأثر البيئي ، فأول إطار قانوني في هذا المجال كان المرسوم رقم 94-2004 الصادر بتاريخ 04/11/2004، ولم يدخل حيز التنفيذ إلا سنة بعد ذلك؛ أي أن هذه الشركة بدات العمل قبل الحصول على إذن المصادقة على خطة للتسيير البيئي التي تنص عليها الفقرة 6 من المادة السابعة من المرسوم .
وفي نهاية 2005 قدمت الشركة دراسة غير مكتملة وليست متطابقة مع الملحق أ من المرسوم الآنف الذكر مكتوبة بالإنجليزية مما حال دون معالجتها من قبل الإدارات المختصة ليتم تعديل المرسوم المتعلق بدراسة الأثر البيئي بواسطة المرسوم 105-2007 الذي يعدل ويكمل ترتيبات المرسوم 94-2004
والذي تنص الفقرة قبل الاخيرة من النقطة 7 من المادة السابعة على وجوب ترجمة دراسة الأثر البيئي إلى الفرنسية، وأن تقدم حسب التصميم المقدم في النموذج II
تاسيسا على ماسبق فإننا اليوم في أمس الحاجة إلى إجراء تقييم وتدقيق بيئي جديد قبل التجديد مع هذه الشركة للوقوف على مستوى تطابق خطة التسيير البيئي المقدمة من قبلها 2007 والمبنية على فرضيات مع واقع المعطيات البيئية على الأرض الناتجة عن الممارسة خلال عشرين سنة من عمل هذه الشركة لضمان تقليل الأضرار وتحمل المستثمر لمسؤولياته تجاه البيئة والمخاطر التي سببها لمحيطه الاجتماعي.
وهذه الوثيقة يجب ان تشمل وجوبا (حسب المادة 7 من المرسوم 105-2007 والمادة 14 من القانون رقم 019-2025 الصادر بتاريخ 02-06-2025 المتعلق بالتقييم البيئي والاجتماعي:
- تحديد الإجراءات التي برمجها صاحب المشروع في سبيل إزالة وتخفيض وتعويض نتائج المشروع الضارة بالبيئة
- المعطيات المعززة بالأرقام عن الأضرار ونسب انبعاثات الملوثات في الوسط المحيط
- تقدير التكاليف المالية الكافية لمعالجة وجبر الضرر.
يتحجج قطاع البيئة والشركات بأن لديهم ضمانا في أحد البنوك لتامين هذه المخاطر وإعادة الموقع الى حالته الأصلية كما تنص على ذالك المادة 7 الفقرة 8 من المرسوم رقم 105-2007 وهذا الضمان رمزي جدا وبعيد جدا من تغطية المخاطر.
2-في مجال المياه
تستنزف هذه الشركة بحيرة بنشاب بشكل مفرط، فهي من تسير خط المياه الرابط بين بنشاب واكجوجت والذي أصبح متهالكا ولا أحد يعرف الكميات التي يتم ضخها يوميا من هذه البحيرة ولا كم يصل منها إلى المصنع بفعل غياب قطاع المياه حتى على مستوى المراقبة، وقد زاد استغلال المياه في السنوات الاخيرة بسبب الحاجة الكبيرة للمياه العذبة في معالجة الذهب مما تسبب في موجات عطش حادة عانت منها اكجوجت في السنوات الأخيرة وأصبحت الكميات التي تضخها الشركة للسكان متذبذبة ولا تغطي احتياجات المدينة
فهل سيتضمن الإتفاق الجديد بنودا تجبر هذه الشركة على تجديد هذا الخط الذي أصبح متهالكا؟ ولتعطي الأولوية في هذه المياه لحاجات البشر قبل الحجر ؟
أم ستنحصر تدخلاتها على الحلول الترقيعية على مستوى أنابيب مياه بنشاب تهربا من استثمارات جديدة في هذا الخط.؟
3-المحتوى المحلي :
رغم الفرصة الكثيرة الضائعة على الاقتصاد الوطني في هذه الشركات بسبب تأخر استصدار قانون للمحتوى المحلي يمكنه تدارك الكثير من الفرص الضائعة على الاقتصاد الوطني وليكمل الاختلالات الملحوظة في الاتفاقيات من خلال إجبار هذه الشركات على إعطاء الأولوية للمنتوج الوطني في هذه الاستثمارات، وكذالك الشركات الوطنية فتمت المصادقة على القانون رقم 045-2024 الصادر بتاريخ 18-12-2024 المتضمن المحتوى المحلي في قطاعي الصناعات الاستخراجية والطاقة والذي تمت صياغته بحضور قوي من الشركات الأجنبية لإفراغه من محتواه وغياب او ضعف الاهتمام لدى المستثمرين الوطنيين وممثليهم
ولم يدخل القانون الجديد حتى الآن حيث التنفيذ بسبب غياب المراسيم التطبيقية.
لذلك لا تزال غالبية المواد المستخدمة في هذه الشركات تستورد من خارج البلاد؛ من لحوم ومياه معدنية ،ألبان،ا معجونات غذائية… إضافة إلى شركات الخدمات الأجنبية المعفية من الضرائب بحكم اتفاقيات هذه الشركات في حين غابت الميزات التفضيلية للمقاولات الوطنية في هذا القانون
وهو ما يفقد البلاد مبالغ ضخمة من العملات الصعبة تذهب في اقتصاديات خارجية، فيما انحصر دور أرباب أعمالنا وشركاتنا الوطنية في تأجير السيارات والمتاجرة بالعمالة الوطنية البسيطة أوفتح حسابات بنكية لهذه الشركات لا توجد بها ودائع قارة؛ مجرد شبابيك يتم تزويدها نهاية كل شهر من حسابات في بنوك خارجية بمبلغ دقيق لتغطية رواتب العمال والموردين لذلك الشهر وهو ما أبانت عنه ازمة MCM الأخيرة مع الضرائب، حيث حجزت على حساباتها فوجدتها خاوية على عروشها خلافا لما تنص عليه الفقرة C من المادة 3-4-3 من اتفاقية الشركة.
اما في مجال الغاز فتتهرب شركة BP من تطبيق القانون بحجة عدم وجود قانون محتوى محلي متفق عليه من قبل البلدين
4-المسؤولة الاجتماعية للشركات
ان الدَوْر التنمويّ الذي ينبغي ان تلعبه هذه الشركات متعددة الجنسيات لا يخلو أيضاً من إشكاليات؛ أولها يتعلق بتحديد مجالات التنمية الاجتماعية التي تموّلها هذه الشركات في الولايات المضيفة، ووفقاً لما هو مشاهد: فإنه بينما تقوم فروع هذه الشركات في بلدان من محيطنا الأفريقي بصياغة أنشطتها الاجتماعية بناءً على الاحتياجات الفعلية لتلك المدن المضيفة ومجتمعاتها المحلية؛ فتقوم ببناء المدارس والمستشفيات والمعاهد والجامعات ومراكز البحوث البيئية، يختصر دور فروع هذه الشركات لدينا على توزيعات غذائية وأدوات مدرسية، وتركز أنشطتها على حملات علاقات عامّة تحسّن بها صورتها؛ لدى المسؤولين وتوزع اكرامياتها عليهم من خلال العقود والامتيازات ضاربة عرض الحائط بالمشكلات الحقيقية للمدن المضيفة ومجتمعاتها .
5- العمالة
تعاني العمالة الوطنية داخل هذه الشركات من عدم احترام قوانين العمل داخل البلد؛ فغالبية عمال هذه الشركات لا يمتلك عقودا وليس لديه تامين صحي ولا اجتماعي مما يضيع حقوقا كثيرة للدولة والعامل على حد سوى
كذلك قامت هذه الشركات في العديد من المرات بتسريح المئات من العمال على شكل دفعات لدوافع اقتصادية دون استيفاء الشروط اللازمة لذلك ودون معايير شفافه كما تقوم في الايام الموالية لعمليات الفصل باكتتاب عمال جدد عن طريق المقاولة بعقود محددة المدة CDD يتم تجديدها لعدة مرات بشكل مخالف للقانون
فقد سرحت MCM
- 2013 سرحت 160 عاملا
- في بداية 2020 سرحت 200 عامل
- في نهاية 2020 سرحت 130 عاملا
جميع هولاء العمال لديهم ملفات لدى القضاء حتى اليوم لم يستطيعوا الحصول على أحكام تعيد اليهم حقوقهم بسبب طول زمن التقاضي في محاكمنا وغياب قضاء متخصص يمكنه الحسم في هذه القضايا التي لا تتحمل التأخير
6-الشفافية
اما الشفافية فهي مبحث كبير في هذه الشركات سواءً فيما يتعلق بالعقود او التهرب الضريبي او إعلانات الاكتتاب والمناقصات والتقرير الأخير لمحكمة الحسابات يسلط الضوء على كثير من تلك الاختلالات
7-المردودية التنموية
إنّ الاستفادة من مواردنا الطبيعية يحتاج إلى منظومة متكاملة، تتعاون فيها كلّ الأطراف الوطنية والشركات الأجنبية لتجاوز مشكلات الماضي، وتأسيس نمطٍ جديدٍ من الشراكة، يقوم على التكافئ بين هذه الأطراف، ويحقّق المكاسب للجميع.
فإذا كانت الأرقام تشير إلى تزايد مساهمات هذه الشركات في الناتج المحلي الخام في البلد، واقتران ذلك بارتفاع معدلات النمو، بما يعطي انطباعاً بمساهمةٍ إيجابية لهذه الشركات في التنمية ، فإنّ أرقاماً أخرى تُلقي الضوء على جانبٍ آخر من دَوْر هذه الشركات، فقد كشف تقريرٌ لباحثين في مجال التنمية: أنّ مقارنة حجم التحويلات المالية التي يتمّ تحويلها إلى داخل البلد بحجم ما يحوّل خارجها؛ يكشف أنّ موريتانيا هي التي تساهم في تكوين ثروات هذه الشركات وليس العكس.
وخلاصة القول: اننا نقف اليوم على عتبة لحظة تاريخية فارقة؛ فإما أن تصبح كنوزنا المعدنية وقودًا لنهضة اقتصادية شاملة، من خلال التحلي بالحكمة في إدارة الموارد، والشجاعة في المطالبة بالحقوق، وامتلاك الإرادة لبناء مستقبل يليق بوطننا وبطموحات مواطنينا، وإما أن تظل هذه الكنوز مجرد حلم مؤجل ولعنة موارد متجددة